إن الحديث عن المناهج في دراسة الظواهر المختلفة، يبقى حديثًا مرتبطًا بحركة التطور الحضارية العامة التي شهدها المجتمع الإنساني عبر مسيرته التاريخية، وغالبًا ما يلاحظ بالمتابعة الموضوعية أن حركة التطور المنهاجي كانت إما سابقة على حركة التطور الحضاري أو موازية لها، إلا أنها لم تكن أبدًا تابعة لها، فالمنهج يسبق المعرفة وخاصة المعرفة العلمية، وقد يتوازى معها، فيكتمل البناء المعرفي مع اكتمال البناء المنهاجي، أما أن تسبق المعرفة العلمية المعرفة بالمنهج، فهذا يتضمن فرضية لا تنسجم مع نفسها.

وتعرف عملية البحث العلمي بأنها تعبير عن جميع التفاعلات التي تحدث بين الباحث والوسط الذي يعيش فيه، أو بينه وبين أي فكرة أو ظاهرة محددة، أو حدث محدد؛ وذلك بهدف تكوين منظومة معرفية يقينية حول ذلك، وكلما كانت المعارف التي يتوصل إليها يقينية يكون بحثه علميًّا، والعكس بالعكس.

وقد تتم عملية التفاعل بصورة تلقائية وذلك مثلما يحدث مع الإنسان منذ السنوات الأولى من عمره، حيث نجد الطفل منذ حوالي السنة الرابعة يبدي أثناء نموه قدرة متزايدة على الانتقال من الخاص إلى العام، ومن التعرف على ظاهرة ما وكشفها، وتكوين صورة أولية حولها، إلى معرفة تلك الظاهرة، والتوصل إلى معارف أكثر عمقًا ودقة وشمولية، ومن بناء الصور المختلفة إلى العمل على تصنيف هذه الصور.